طالما برهن تراث الإنسانية على أن الحق دائمًا أقوى من كل عتاد الحرب، وأن كلمة الحق أعلى صوتًا من كل الأبواق. ولكن الحق في حاجة إلى من يطالب به ويدعو إليه ويقف من أجله بإصرار وعزيمة. والمؤمن الصادق يعلم أن الجلد والصبر وشدة العزم هي طريقه إلى الله؛ فالصبر على الانصياع لأوامر الله والابتعاد عن معصيته والصبر على الشدائد والبلاء ثم المصابرة على جهاد النفس وإعلاء كلمة الحق هو مفتاح الفوز في الدنيا والآخرة؛ وفقًا لوعده عز وجل "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا".
والثبات على الحق يحتاج إلى الجهد والمثابرة فهو لا يناله إلا أصحاب القلوب الجسورة وأصحاب الرسالات والمبادئ في كل عصر. وليس أعظم مثالاً من الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأخيار الذين ثبتوا على دينهم وعضوا عليه بالنواجذ بالرغم مما تكبدوه في سبيل ذلك من مشقة وكدح وألم.
والثبات على الحق من أعظم النعم التي يمن الله بها على المؤمن؛ فقد كان دعاء نبينا الكريم صلوات الله وسلامه عليه "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك".
وبالرغم من مشقة الثبات على الحق، فإن التاريخ القديم والمعاصر يبرهن على أن إيمان الفرد بالقضية التي يدافع عنها وعدالتها هي معمار الثبات عليها والإيمان بالله واللجوء إليه والتوكل عليه هو حجر الأساس.
وقد أكد الله تعالى في كتابه الحكيم على ضرورة تمسك المؤمن بالصبر والمصابرة في دروب حياته ليصل إلى مرتبة الصابرين وينفع نفسه وأمته؛ فيقول عز وجل في سورة آل عمران: "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين"، فبدون الصبر والثبات تضيع الحقوق وتصمت الأفواه وتندحر العزائم.
وفي آخر السورة نفسها يتجدد الأمر الإلهي للمؤمنين جليًا واضحًا في قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون". فالطريق إلى النجاح في شتى مناحي الحياة يبدأ بالصبر على المعوقات والمصابرة على مواجهة هذه المعوقات وجهادها جهادًا دائبًا دون كلل أو ملل، ثم الاستمرار في العمل الجاد دون تراخٍ أو فتور، وهو ما يسميه أساتذة علم التنمية البشرية بـ"التخطيط للنجاح".
وفي تاريخنا الإسلامي ما لا حصر له من نماذج الصبر والثبات، بدءا من المراحل الأولى للدعوة، مرورًا بالغزوات والفتوحات الكبرى، ولعل الروح التي تنبض حاليًا في عالمنا الإسلامي المعاصر من تجارب ترفض القهر والاستسلام والخنوع وتعلي من قيمة الصبر والمصابرة والثبات لهي بريق ضوء يلمع بالأمل في فجر جديد.